
في عمق الشرق الموريتاني، تقع ولاية الحوض الشرقي، التي تختزن مزيجًا من التحديات والفرص، لكنها لا تزال تعاني واقعًا تنموياً هشًّا يثير قلق السكان والمراقبين على حد سواء.
فبين ثروات طبيعية ضخمة يمتلكها البلد وأحلام تنموية مؤجلة بالحوض الشرقي، تبرز أسئلة ملحة حول غياب الأثر الإيجابي للمنتخبين والأطر المحليين في تحسين حياة المواطنين.
انفصال بين المسؤول والشارع
رغم ما يُفترض من دور محوري للمنتخبين والأطر في الولاية في دعم التنمية والدفاع عن مصالح السكان، فإن الواقع يكشف عن فجوة واسعة بينهم وبين هموم الناس اليومية.
فالحياة في مدن وقرى الحوض الشرقي تشهد تدنيًا حادًا في مستوى الخدمات الأساسية، من صحة وتعليم وبنية تحتية، وسط تزايد نسب الفقر والبطالة وتفاقم معاناة السكان.
تدهور مزمن في الخدمات
مشاهد البؤس لم تعد استثناءً، بل تحوّلت إلى جزء من الروتين اليومي، إذ تتفشى الأمراض في ظل منظومة صحية شبه منهارة، ويضطر بعض النساء للولادة في ظروف غير إنسانية أمام المستشفيات.
أما التعليم، فقد أصبح مرآة لأزمة أعمق، مع ارتفاع نسب التسرب المدرسي وتدني مستوى التمدرس، في وقت تنتشر فيه الأمية كواحدة من أخطر التحديات الاجتماعية.
أسواق بلا رقابة ومنافسة غير عادلة
تُظهر الأسواق المحلية نمطًا فوضويًا من التسيير، حيث تنتشر المواد المنتهية الصلاحية، وسط غياب شبه كامل للرقابة.
كما يُسجل نزوح لافت للاجئين من المخيمات إلى داخل المدن، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الخدمات ويفاقم من التنافس على مصادر العيش المحدودة.
من خزان انتخابي إلى عبء منسي
لم تثمر عمليات انتخاب أبناء الولاية أو تعيينهم في مناصب سامية عن نتائج ملموسة، بل تحوّلت الحوض الشرقي، في نظر الكثيرين، إلى مجرد خزان انتخابي يُستدعى وقت الحاجة، ثم يُركن على الهامش، دون استراتيجية تنموية واضحة أو استثمار جاد في بنيته التحتية وموارده البشرية.
المنتخب التاجر وتكريس الفساد
ظاهرة "المنتخب التاجر" التي استفحلت في الولاية تعكس خللاً بنيويًا في الوعي السياسي.
فبعض من يتصدرون المشهد السياسي يسعون، بحسب مراقبين، لتحقيق مكاسب شخصية من مناصبهم، على حساب الصالح العام.
فالتركيز على الصفقات والرواتب والامتيازات الخاصة يقوّض أي جهد حقيقي لتحقيق تنمية مستدامة في المنطقة.
التفاوت الصارخ يطرح أسئلة مؤلمة
ما يزيد من حدة المفارقة، هو أن من بين أبناء الولاية وزراء وأكاديميين بارزين، لكن مدنهم وقراهم لا تزال ترزح تحت وطأة الإهمال، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مؤلمة عن غياب المسؤولية المجتمعية والدور الحقيقي للنخب في قيادة التغيير.
دعوات للتغيير الجذري
في ظل هذا الواقع، تتعالى أصوات مطالبة بتغيير شامل، من خلال إقالة المسؤولين غير الفاعلين، والبحث عن كفاءات جديدة تمتلك الرؤية والقدرة على إحداث تحول تنموي فعلي، بعيدًا عن المحاصصات القبلية والمصالح الضيقة.
إن ولاية الحوض الشرقي لا تفتقر إلى الموارد ولا إلى الطاقات البشرية، لكنها بحاجة ماسة إلى إرادة سياسية حقيقية وقيادة رشيدة تعيد الثقة بين المواطن وممثليه، وتضع أسس تنمية عادلة تعيد للمنطقة موقعها الذي تستحقه في قلب الوطن، بدل أن تبقى حبيسة التهميش والإقصاء.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر