
رغم مرور أكثر من ستة عقود على استقلال موريتانيا، ما تزال ولاية الحوض الشرقي تشكل استثناءً لافتًا بين ولايات البلاد، ليس فقط من حيث موقعها الجغرافي على أقصى أطراف الدولة، بل من خلال عمق التهميش الذي تعانيه، وكأنها لا تزال خارج حسابات التنمية الوطنية.
وتُجسد الحوض الشرقي نموذجًا صارخًا للتفاوتات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها موريتانيا، وهي تفاوتات تعود جذورها إلى الحقبة الاستعمارية، وتتغذى من خلال سياسات مركزية فشلت في إنصاف المناطق الداخلية، وخصوصًا الشرق الموريتاني.
فقد وُلد كيان الدولة الحديث على حدود رسمها المستعمر لخدمة مصالحه، دون اعتبار للروابط المجتمعية أو التوازنات الاقتصادية. ومنذ تأسيس الدولة، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في تفكيك هذا الإرث الثقيل، بل أعادت إنتاجه عبر سياسات تكرس التمييز بين المركز والأطراف. وضمن هذا السياق، ظلت الحوض الشرقي مجرد "خزان انتخابي" يُستثمر في المواسم السياسية، دون مقابل تنموي يذكر.
ورغم مشاركة أبنائها في مراكز القرار على امتداد عقود، بقيت الولاية غائبة عن أولويات التخطيط التنموي، وكأن وجودها الرمزي لا يعكس حاجة حقيقية إلى النهوض بمقدراتها.
فالحكومات المتعاقبة فشلت في تقديم حلول جذرية لمشاكلها المتراكمة، بدءًا من تدهور الزراعة ومرورًا بانكماش التنمية الحيوانية، وصولًا إلى غياب البنية التحتية الأساسية.
لقد أدى سوء التخطيط إلى تحويل مشاريع التنمية الزراعية إلى صراعات على ملكية الأراضي، فيما تم تجفيف مصادر الكلأ لصالح "محميات شخصية" امتدت على مساحات واسعة، مما قيد حركة الرعاة ودفع بالثروة الحيوانية نحو التدهور.
وتتعدد التحديات التي تواجهها الولاية اليوم، من ارتفاع نسب الفقر والبطالة، إلى هشاشة الوضع الأمني، في ظل تصاعد مشاعر التهميش والغضب الشعبي.
وفي الوقت الذي يفترض أن تكون الولاية بوابة للتنمية والتكامل الإقليمي، باتت محاصرة، لا منفذ لها سوى "طريق الأمل" الذي لم يكن يومًا أملًا حقيقيًا لسكانها.
وقد زاد الوضع سوءًا بعد إغلاق المعابر الحدودية مع الجارة مالي، مما أدى إلى انقطاع التموين وارتفاع أسعار التوابل وبعض السلع الأساسية بنسب تجاوزت 400%، لتزيد من معاناة السكان الذين لا يجدون في "الدولة المركزية" سوى وعود مؤجلة.
في ظل هذه المعطيات، تطرح ولاية الحوض الشرقي أسئلة مؤجلة على ضمير الدولة الموريتانية: إلى متى سيظل الهامش خارج حسابات التنمية؟ ومتى تتحول الشعارات إلى استراتيجيات فعلية تُنصف مواطنين ظلوا على الهامش لعقود؟
مولاي الحسن مولاي عبد القادر