النعمة.. عاصمة "الشرق المنسي" بين معاناة الواقع وصدى الوعود

ثلاثاء, 08/05/2025 - 16:30

رغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين الجبال، وكثافتها السكانية التي تضعها في مقدمة عواصم ولايات الوطن، تعيش مدينة النعمة، عاصمة ولاية الحوض الشرقي، حالة من الإهمال والتهميش، تعكسها تفاصيل الحياة اليومية لسكانها، بين الفقر، والبطالة، وتردي الخدمات، وتغييب التنمية الحقيقية.

تشطر المدينة بطحة سوداء لطالما تحولت إلى مكبّ ضخم للنفايات والقمامة والجيف، تنتظر موسم الأمطار كي تجرف السيول ما يمكن جرفه، في عملية تنظيف سنوية عشوائية تكشف غياب البنى التحتية وانعدام الحلول المستدامة في مجال النظافة والتخطيط الحضري.

ورغم تفهم سلطات الولاية لمطالب السكان ومحاولات بعض الجهات الرسمية إبداء تعاطٍ إيجابي معهم، إلا أن المقارنة مع ولايات أخرى تكشف بوضوح أن الحوض الشرقي ما يزال في ذيل ترتيب الاهتمام التنموي، رغم أنه في طليعة الولايات من حيث عدد السكان.

اقتصاد هش.. وبطالة متفاقمة

تشهد المدينة أزمة اقتصادية خانقة تتجسد في ارتفاع معدلات البطالة، وغياب تكافؤ الفرص، في ظل منافسة قوية من عمالة وافدة، وسط ضعف حضور مؤسسات رسمية أو استثمارات قادرة على خلق فرص عمل حقيقية.

ورغم ما يُعلن من برامج وتدخلات تنموية وتمويلات بمليارات الأوقية، فإنها لم تترك أثرا ملموسا على حياة السكان، حيث يزداد الفقر، وتختفي الطبقة الوسطى، ليبقى المشهد محصورا بين قلة من الأغنياء – من ساسة ومقاولين – وغالبية تعاني من العوز، مهما اختلفت مستويات فقرها.

صحّة تتآكل.. وفساد يتمدد

لا يقل القطاع الصحي سوءًا، فالإهمال بات سمة عامة المرافق الصحية، في حين تنتشر العيادات العشوائية الخاصة في المنازل، والأعرشة، وتحت الأشجار، ويشرف عليها أطباء وممرضون وحتى حراس مستشفيات، مستغلين فقر المرضى وجهلهم، ما يجعلهم ضحايا لجشع لا يرحم.

تعليم هش.. وامتحانات "محلولة"

أما التعليم، فتعكسه حوادث كـ"حل امتحان دخول الإعدادية (كونكور)" في بعض المراكز رغم تدني نسبة النجاح فيها، في صورة تؤكد هشاشة المنظومة التعليمية وغياب الرقابة.

وفي ظل كل هذا، تبقى الأسعار في ارتفاع مستمر، دون أي رقابة، مع انتشار المواد الفاسدة في الأسواق، ما يضاعف معاناة الأسر ذات الدخل المحدود.

بين تدفق اللاجئين وتصاعد التوترات الحدودية

وتعيش الولاية هذه الأيام وضعًا أمنيًا متدهورًا، في ظل تزايد أعداد اللاجئين القادمين من دولة مالي المجاورة، والذين بات عددهم يتجاوز سكان الولاية الأصليين، في ظل غياب واضح لأي استجابة فعلية من السلطات الموريتانية لمعالجة الوضع أو احتوائه.

ويعبر العديد من السكان المحليين عن قلقهم من التداعيات الأمنية والاجتماعية لهذا النزوح الكبير، الذي يضع ضغطًا متزايدًا على الخدمات الأساسية، ويهدد بانفلات أمني في منطقة تشهد أصلاً هشاشة في البنية التحتية وقدرات الاستيعاب.

وفي المقابل، تتصاعد معاناة الجالية الموريتانية، ومعظمها من أبناء الولاية نفسها، في الأراضي المالية، حيث تتعرض للمضايقات والضغوط، ما دفع كثيرًا من أفرادها إلى العودة القسرية، وهو ما زاد من تعقيد المشهد المحلي في الحوض الشرقي.

ويُنظر إلى تعامل الدولة مع هذه التطورات بعين الريبة، وسط ما يصفه السكان بـ"التجاهل المقلق" لتنامي الخطر الذي يشكله هذا التزايد المفاجئ في عدد اللاجئين، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والمعيشي، بل وعلى مستوى الأمن والاستقرار.

وفي خضم هذا الوضع الهش، تقرع طبول الحرب على مرمى حجر من حدود الولاية، مع احتدام المواجهات بين الجيش المالي والحركات المسلحة في المناطق المحاذية، ما ينذر بخطر أكبر قد يداهم الحوض الشرقي في أية لحظة، في حال تسارعت وتيرة النزاع وتجاوزت نيران الحرب الحدود.

ويرى مهتمون بالوضع الأمني أن على الحكومة الموريتانية التحرك العاجل من أجل وضع خطة استباقية لحماية السكان المحليين، وضمان أمن الولاية واستقرارها، قبل أن ينفلت الوضع من السيطرة، وسط مؤشرات متزايدة على أن القادم قد يكون أخطر.

نخب غائبة ومشهد سياسي باهت

سياسيا، تشهد الولاية تنافسا محتدما بين أطرها، ليس لتقديم الحلول أو بلورة رؤية إصلاحية، بل للتزلف والبحث عن لفت انتباه الرئيس، عبر كل أشكال المجاملة والخطاب الدعائي، وسط غياب حقيقي للنخبة الفكرية والسياسية، وصعود وجوه تكتفي بالكلام والمبالغة في الإنجازات الوهمية.

بين الانهيار والتحمل.. يبقى "گلب انكادي"

في النعمة، لم تعد التقاليد كما كانت، تغيرت معايير الحياة، وتبدلت أولويات الناس. لم يبق من ملامح الصمود سوى "گلب انكادي"، الهضبة الشامخة التي ترمز لصلابة الأرض وثباتها، وسط واقع هش ومضطرب يحتاج إلى العمل أكثر مما يحتاج من الوعود والخطابات.

النعمة اليوم لا تنتظر من يكتب عنها، بل من يكتب فيها مستقبلًا يليق بسكانها وتاريخها ومكانتها.

مولاي الحسن مولاي عبد القادر