
تُعد النقابات والتجمعات الصحفية في الدول الديمقراطية مظلة حامية للصحفيين، تدافع عن حقوقهم، وتعزز من معايير المهنة، وتُسهم في تطوير المشهد الإعلامي ورفع سقف الحريات.
إلا أن التجربة الموريتانية تكشف عن صورة مغايرة، حيث تحولت هذه الكيانات من أدوات مهنية إلى أجسام مشلولة تعاني من الشخصنة وتفتقر إلى الفعالية، في وقت يعيش فيه الصحفي الموريتاني وضعاً مهنياً هشاً، وانحداراً في معايير الأداء والأخلاق.
الواقع المهني المؤلم
رغم التعدد الملفت للاتحادات والنقابات الصحفية، والذي يكاد يوازي عدد المؤسسات الإعلامية نفسها، إلا أن المعايير المهنية تلاشت تدريجياً.
فالإعلامي الموريتاني، بدلاً من أن يكون مرآة للمجتمع، بات رقماً ضمن جموع المتسولين على أبواب المسؤولين، حاملاً قلمه بين مدح وهجاء، مدفوعاً بهوس الرزق لا بروح الرسالة الإعلامية.
صورة الصحفي.. بين الغموض والسطحية
في مشهد الإعلام الجديد، تلاشت الفوارق بين الصحفي والإعلامي، وغلب على الحضور الإعلامي طابع الاستعراض والخروج عن النص.
فرغم أن الصحفي قد يكون معروف الاسم، إلا أن ملامحه تظل مبهمة لدى الجمهور، خلافاً للإعلامي المرئي الذي يحضر بصورته لا بمضمونه، لكنهما استويا على فرسي رهان أمام محطة واحدة.
دور غائب وتنظيمات مشتتة
فمن المفترض أن تعمل النقابات والتجمعات الإعلامية على ضبط المهنة، وتحصين الصحفيين من الممارسات غير الأخلاقية، ومراقبة مدى الالتزام بالمعايير المهنية.
لكن الواقع يكشف عجزاً مزمناً عن القيام بهذه الأدوار، فحتى اليوم، لم تتمكن هذه الكيانات من وضع ميثاق شرف إعلامي، ولا مدونة سلوك مهني تُلزم الصحفيين بقواعد المهنة وأخلاقياتها.
استجداء الدعم بدل المبادرة
تبدو أولويات هذه التنظيمات متمركزة حول استدرار الدعم الحكومي أكثر من اهتمامها بتأهيل الكوادر الصحفية أو تحسين بيئة العمل، حيث لم تُسجل أي مبادرة فاعلة لهيكلة أوضاع العاملين في القطاع الإعلامي، سواء في الوسائل الرسمية أو الخاصة، رغم أن معظمهم يعمل خارج إطار قوانين الوظيفة العمومية ومدونة الشغل. والاتفاقيات الجماعية والدولية.
ضعف في ضبط المشهد الصحفي
من جهة أخرى، تفاقمت ظاهرة منتحلي الصفة الصحفية، وسط غياب أي دور فعّال للاتحادات في ضبط الكيانات الإعلامية الوهمية المنتشرة في البلاد، كما غابت المبادرات التدريبية والتكوينية التي تُعَدّ حجر الأساس في رفع كفاءة الصحفيين وتعزيز مهاراتهم، رغم توفر الموارد والفرص.
وسط هذا المشهد المتداخل، تُطرح تساؤلات جادة حول جدوى استمرار هذه التجمعات الصحفية في شكلها الحالي، ما لم تُراجع أدوارها وتُجدد أدواتها.
فهل ستبقى هذه الهيئات أدوات استجداء وتكريس شخصنة العمل النقابي؟ أم آن الأوان لتحولها إلى أطر مهنية حقيقية تدافع عن الصحافة وتعيد لها اعتبارها في موريتانيا؟
مولاي الحسن مولاي عبد القادر