تساؤلات حول واقع "الحوار" في موريتانيا

أربعاء, 04/30/2025 - 10:21

في زمن تتصاعد فيه الأزمات السياسية والاجتماعية، يبقى الحوار، نظريًا، الوسيلة الأنجع لمعالجة النزاعات والخلافات بين الأطراف المختلفة. 
غير أن الواقع الموريتاني يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى فعالية هذا الأسلوب في ظل المعطيات القائمة، حيث يبدو أن الحوار لم يعد، في كثير من الحالات، سوى أداة شكلية لا تقدم حلولًا حقيقية.
يُفترض بالحوار أن يكون مساحة لتبادل وجهات النظر، مهما بلغت درجة التباين بينها، شريطة وجود إرادة للاستماع والاعتراف بالآخر. 
إلا أن التجربة الموريتانية تشير إلى أن الحوار، في بعض الأحيان، يتخذ طابعًا صوريًا، يُستدعى فيه المجتمع المدني والنقابات كديكور سياسي لا أكثر، في مشهد يبدو أنه يستهدف تلميع صورة النظام أمام الرأي العام الدولي والجهات المانحة، بدلًا من تحقيق تغيير جوهري.
المعضلة لا تقتصر فقط على شكل الحوار، بل تمتد إلى جوهره ومضمونه. 
فالسؤال الجوهري هو: عن ماذا نتحاور؟ وإذا كان مضمون الحوار لا يتجاوز تقاسم السلطة والثروة بين النخب السياسية، وسط تجاهل تام لمعاناة الغالبية الفقيرة من الشعب، فإن النتائج تكون محسومة سلفًا: لا شيء يتغير.
إشكالية أخرى تعترض طريق الحوار تتمثل في ضعف التمثيل الحقيقي للأطراف المشاركة. 
فالأحزاب غالبًا ما توصف بـ"الشخصية"، والنقابات يغلب عليها الطابع الفئوي، وبعضها لا يزال تحت سيطرة الحكومة. 
أما المجتمع المدني، فرغم حضوره، يعاني من الشخصنة وغياب الاستقلالية، ما يُفقد الحوار مصداقيته وجدواه.
وفي ظل هذه الظروف، تتعالى أصوات مشروعة تتساءل: من يتحاور مع من؟ وأي جدوى تُرجى من حوار يجري في بلد تُنهب موارده بينما يعيش ثلثا سكانه تحت خط الفقر، محرومين من أبسط مقومات الحياة الكريمة؟
إن أي حوار جاد لا بد أن ينطلق من واقع المواطن البسيط، وأن يأخذ بعين الاعتبار التدهور المعيشي الذي يعيشه أغلب الشعب الموريتاني. 
فنجاح أي مسعى للحوار مشروط بوجود إطار مرجعي مشترك، وأهداف واضحة، وآليات محددة، مع مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي يعيشها المواطن.
إن الحوار، في جوهره، ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لبناء توافق وطني يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. 
وما لم تتوفر هذه الشروط، فإن كل عملية "تشاور" لن تكون سوى فصل آخر في مسرحية سياسية تعيد إنتاج نفس الواقع المرير.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر