
أثارت تصريحات الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في مدينة تمبدغة حول "الانجرار وراء الشائعات" نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية الموريتانية، خصوصًا في ظل تصاعد الحديث عن الخلفاء المحتملين له في الانتخابات الرئاسية لعام 2029.
فقد جاءت كلماته في لحظة سياسية حساسة تتقاطع فيها الطموحات الشخصية مع رهانات السلطة وموازين القوى داخل النظام.
الرئيس ولد الشيخ غزواني، الذي سيُكمل مأموريته الدستورية الثانية بعد ثلاث سنوات، بدا واضحًا في التعبير عن انزعاجه من موجة الشائعات التي تروج لأسماء بعينها كخلفاء محتملين له، في وقت يرى فيه مراقبون أن بعض الوزراء والمقربين من النظام قد انخرطوا في حملات مبكرة عبر أنصارهم في الداخل والخارج.
تصريح الرئيس عن "الانجرار وراء الشائعات" و"أنصار قد يضرونهم الآن وغدًا" فُسّر على نطاق واسع بأنه تحذير غير مباشر لبعض الطامحين في خلافته داخل الحكومة.
في خلفية هذا الجدل، تبرز أسماء وزيرين من أبناء الحوض الشرقي يُنظر إليهما كأبرز الوجوه الطامحة للمنصب. أحدهما كان قد طُرح سابقًا كمرشح محتمل للرئيس الأسبق عزيز قبل أن ينسحب مكرها لصالح ولد الشيخ الغزواني، بينما يتمتع الآخر بخلفية عسكرية جعلت أنصاره يقدمونه كامتداد طبيعي للرئيس الحالي.
هذه التحركات، التي بدأت تأخذ طابعًا علنيًا، جعلت الرئيس يختار مدينة تمبدغة الواقعة في قلب الحوض الشرقي، ليوجه من هناك رسائل مشفرة إلى الداخل السياسي.
تصريحات ولد الشيخ الغزواني لم تكن مجرد ردة فعل عابرة على الشائعات، بل عكست استياءً مؤسساتيًا من محاولات مبكرة لإعادة تشكيل المشهد السياسي في أفق ما بعد 2029.
فالرئيس بدا حريصًا على ضبط إيقاع السلطة وتوجيه رسائل واضحة بأن الحديث عن الخلافة سابق لأوانه، وأن الترويج القبلي والسياسي لمشاريع شخصية قد يُضعف تماسك النظام ويهدد استقرار البلاد.
وفي سياق آخر، حملت كلمات الرئيس أيضًا بعدًا اجتماعيا وقبليًا لافتًا، إذ سبق أن تطرق في انيكت لحواش إلى ظواهر الاستقبال القَبَلي والعصبي التي رافقت زيارته لمدن الحوض الشرقي.
ولعل ولد الشيخ الغزواني أراد من ذلك التأكيد على أن دولة المواطنة لا يمكن أن تُختزل في الولاءات الجهوية أو القبلية، وأن المرحلة المقبلة تتطلب تجاوز هذه الانقسامات لصالح وحدة وطنية جامعة.
ويرى محللون أن الرئيس يسعى من خلال هذه التصريحات إلى تحييد النفوذ القبلي والسياسي داخل دوائر الحكم، وإعادة توجيه النقاش نحو أولويات الدولة، بعيدًا عن سباق الخلافة المبكر.
كما أن هذه الرسائل تمثل في جوهرها، محاولة لاحتواء التوترات داخل الحوض الشرقي، الذي تحول إلى ساحة تنافس سياسي بين رموزه وأبنائه في السلطة.
ومهما يكن، فإن الجدل الذي تلا خطاب تمبدغة يكشف أن موريتانيا دخلت فعليًا مرحلة جديدة من إعادة ترتيب البيت السياسي قبل الحوار الوطني المرتقب، والذي قد يرسم ملامح الانتخابات المقبلة.
فبين من يرى في تصريحات الرئيس دفاعًا عن استقرار النظام، ومن يراها تمهيدًا لتوجه جديد في إدارة المشهد، يبقى الثابت أن ملف الخلافة بات مطروحًا بقوة في النقاشات السياسية، وأن الرئيس ولد الشيخ الغزواني اختار اللحظة والمكان بعناية لإطلاق رسالته إلى الجميع مفادها أن
الحديث عن من سيخلفه ليس أولوية الآن، بل خطر على استقرار المرحلة القادمة.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر



















