زيارة الرئيس إلى الحوض الشرقي.. إعلام سياسي أم تحول تنموي؟

اثنين, 11/17/2025 - 17:10

في الآونة الأخيرة، أثارت زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى ولاية الحوض الشرقي جدلاً واسعًا بين مؤيدين ومعارضين.

وُصفت الزيارة من قبل البعض بأنها تنموية، وستمثل نقطة تحول في تاريخ المنطقة التي عانت لعقود من التهميش.

غير أن الواقع، كما يظهر من خلال المتابعة الميدانية والتحليل، يختلف كثيرًا عن الصورة التي حاول الإعلام الرسمي تسويقها، في ظل التناقضات بين الخطابات الرسمية والتحديات الحقيقية التي تواجه المنطقة.

زيارة مهيبة لكن بلا تأثير ملموس

استمرت زيارة الرئيس إلى الحوض الشرقي لمدة ثمانية أيام، وهي فترة طويلة بالنسبة لزيارة لأي زيارة اطلاع تتعلق بالتعرف على أوضاع المواطنين وحاجاتهم.

من خلال هذه الزيارة، كان من المفترض أن يتم طرح حلول للمشاكل المزمنة التي تعاني منها الولاية، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والمياه والكهرباء والزراعة.

غير أن مخرجات الزيارة بدت محط تساؤلات حول مدى جدواها الفعلية.

ورغم الزخم الإعلامي الكبير الذي رافق الزيارة، لم يُسجل أي تدشين، أو تغيير حقيقي على الأرض.

فالأهداف التي تم الإعلان عنها في الولاية، مثل تحسين الخدمات الأساسية، كانت متشعبة بشكل مفرط، لدرجة أن معظم المشاريع المعلنة تشمل جميع ولايات الداخل الموريتاني، وليس فقط الحوض الشرقي.

وفي هذا الصدد، يبدو أن الزيارة كانت أكثر محاولة لإضفاء الطابع الإعلامي على مرحلة من مراحل الدعاية السياسية، أكثر من كونها خطوة عملية نحو تحسين الوضع في المنطقة.

المغالطات الإعلامية والإنفاق المفرط

من أبرز ما أثير حول الزيارة هو حجم الإنفاق الضخم الذي صاحبها، والذي أثار موجة من الانتقادات الشعبية والإعلامية.

وقد كان التركيز الأساسي على تأجير آلاف السيارات، وتقديم تعويضات مالية للمواطنين الذين تم استدعاؤهم واستغلالهم في الاستعراض والحشد والدعاية القبلية للزيارة.

ويبدو أن التكاليف المترتبة على الزيارة فاقت التوقعات، إذ تم صرف أموال ضخمة على استدعاء نشطاء قبليين، وأصحاب الخيام والإبل، وحتى مداحين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم هذه التكاليف الضخمة، لم يلمس المواطنون أي تحسن حقيقي في حياتهم اليومية.

ففي الوقت الذي تم فيه تخصيص ميزانيات كبيرة لتمويل زيارة إعلامية، استمر الواقع الاقتصادي والصحي في التدهور، خاصة في ما يتعلق بالأزمات الصحية والارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية.

الأزمات.. واقع لم يتغير

على الرغم من تصريحات بعض الوزراء حول تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، إلا أن الواقع كان مغايرًا تمامًا.

فقد استمرت معاناة المواطنين في ظل غياب تحسينات ملموسة في هذه القطاعات.

ففي عاصمة الولاية لايزال التلاميذ يدرسون في بيوت طينية مأجورة وبدون مقاعد مثل مدرسة "ملقى البيطح"، على سبيل المثال للحصر، وتفاقمت أزمة نقص المؤن من المواد الغذائية بسبب الزيارة, وسجل نقص في الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، مما زاد من تعقيد الوضع الصحي في الولاية.

أما الوضع المعيشي، فقد كانت الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية تشكل عبئًا إضافيًا على كاهل المواطنين الذين يواجهون تحديات اقتصادية كبيرة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة.

ورغم وعود تحسين الخدمات الأساسية، فإن العديد من هذه الوعود تبدو غير قابلة للتحقيق في الوقت القريب.

بين القبيلة والسياسة

لا يمكن إغفال الأبعاد السياسية والممارسات التي رافقت زيارة الرئيس إلى الحوض الشرقي، والتي تعاطى معها الجميع بأسلوب قبلي، وسط تنافس بين أنصار بعض الوزراء لدفعهم للحصول على خلافة الرئيس بعد مأموريته الحالية.

فقد أثار الرئيس في خطاباته عدة نقاط شائكة، بما في ذلك انتقاده لبعض المظاهر القبلية التي شهدتها الاستقبالات في بعض المقاطعات.

ففي وقت كان من المفترض أن تُظهر الزيارة وحدة وطنية، جاءت بعض الاستقبالات لتسهم في تأجيج الانقسامات القبلية، مما يتناقض مع أهداف الزيارة السياسية.

كما برزت إشارات غير مباشرة حول جدوائية بعض الهيئات الدستورية وحديث عن التغييرات السياسية المستقبلية، ما أثار الجدل حول نية الرئيس تعديل الدستور أو تغيير النظام السياسي.

وفي خطبه، تطرق الرئيس إلى مسألة خلافته السياسية، محذرًا من الانجرار وراء الشائعات المتعلقة بذلك.

البعض فسر هذه التصريحات على أنها تمهيد لتغيير النظام الدستوري والعودة إلى المأمورية الثالثة، وهو ما أضاف بعدًا سياسيًا معقدًا للزيارة.

الزيارة بين الواقع والإعلام

ومهما يكن من أمر تبقى زيارة الرئيس إلى الحوض الشرقي حدثًا سياسيًا إعلاميًا أكثر منه عملية تنموية حقيقية.

صحيح أن الزيارة كانت مهمة من حيث الإشارة إلى اهتمام النظام بمنطقة طالما كانت مهمشة، ولكن هذا لا يعني أن الأزمات والمشاكل الأساسية التي يعاني منها المواطن في الحوض الشرقي قد تم حلها.

قد يكون الإنجاز الوحيد الذي حققته الزيارة هو تحسين الصورة الإعلامية للنظام، ولكن هذا ليس كافيًا في ظل المعاناة المستمرة التي يعيشها السكان في المنطقة.

فالمواطنون في الحوض الشرقي ينتظرون حلولًا حقيقية لمشاكلهم اليومية، وليس مجرد زيارة منمقة تترك خلفها فراغًا كبيرًا.

مولاي الحسن مولاي عبد القادر