المهرجانات في موريتانيا.. صخب يُهدر المال العام وشعب جائع يئن بصمت

سبت, 10/04/2025 - 08:28

في بلدٍ يرزح تحت وطأة الفقر، وتزداد فيه أزمات العطش والبطالة والغلاء يوماً بعد يوم، لا تزال المهرجانات تتكاثر كالفطر بعد المطر، تتناسل من رحم العجز التنموي لتتحول إلى وسيلة جديدة لتبذير المال العام وتلميع الوجوه.

في ساعةٍ متأخرة من ليل البارحة، اهتزّت مدينة النعمة عاصمة الحوض الشرقي على وقع أبواق مهرجان الموسيقى في نسخته الثانية.

صخب المنصة ومكبرات الصوت اخترق سكون المدينة حتى الفجر، ليوقظ سكاناً أنهكهم التعب ويثير موجة استياء واسعة في الأحياء القريبة من الملعب الذي احتضن المهرجان.

المفارقة المؤلمة أن هذا المهرجان، الذي أشرف على افتتاحه وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة الحسين ولد مدو بحضور السلطات الإدارية والأمنية، يأتي في وقتٍ تعاني فيه الولاية المجاورة لدولة مالي قلقا أمنيا، وتزايد نزوح اللاجئين، وتدهورا للخدمات الأساسية، وتكدّس البطالة، وانعدام البنى التحتية.

فبينما تغرق أجزاء من المدينة في الظلام الدامس، تُنصب المنصات وتُضاء بالألوان وتُنفق الملايين على حفلات راقصة لا تسمن ولا تغني من جوع.

لقد تحوّلت المهرجانات في موريتانيا إلى مظاهر شكلية للتطبيل الرسمي وتبادل المصالح، أكثر منها مبادرات ثقافية أو تنموية.

المئات منها تُنظَّم سنوياً، وغالبها لا يترك أثراً سوى الغبار والضجيج، وتشهد المدن والقرى والأرياف تنافسا لدى الوزارة الوصية للحصول على ترخيص لمهرجان تحت أي شعار.

إنها مناسبات لتوزيع الامتيازات على “المرتزقة الثقافيين” الذين يتهافتون على المنصات بحثاً عن حصة من الغنيمة، بينما يبقى المواطن الحقيقي – ذلك الذي يُفترض أن تُخدم باسمه هذه المشاريع – متفرجاً على مسرح عبثي لا مكان له فيه.

مهرجانات بلا مضمون، واحتفالات بلا هدف، تُقام على أنقاض التنمية الغائبة، لتكرّس واقعاً من الزيف الرسمي وغياب الأولويات.

فهل تحتاج موريتانيا اليوم إلى منصة موسيقية جديدة أم إلى مستشفى مجهز؟ إلى مهرجان أم إلى مدرسة؟ إلى ضوء كاشف فوق مسرح أم إنارة شارعٍ مظلم؟

ما يجري ليس ترفاً ثقافياً، بل استخفافٌ بمعاناة شعبٍ جائعٍ ومُتعب، يراقب من بعيد كيف تُنفق أمواله على الضجيج، بينما لا يجد قوت يومه. إنها سياسة تلميع لا تنمية، واحتفال بالفراغ في زمنٍ يستحق فيه المواطن شيئاً من الكرامة لا شيئاً من الصخب.

مولاي الحسن مولاي عبد القادر