
في الوقت الذي يُفترض أن يكون الزي المدرسي رمزاً للمساواة والانضباط داخل المؤسسات التعليمية، تحوّل القرار الأخير بفرضه هذا العام في ولاية الحوض الشرقي إلى مصدر قلق واسع بين الأسر، خصوصاً تلك التي تعاني من هشاشة اقتصادية تجعلها عاجزة عن توفيره لأطفالها.
فأسعار الزيّ الموحد، التي فاجأت أولياء الأمور، جاءت في ظرف اقتصادي بالغ الصعوبة، تشهد فيه المنطقة ارتفاعاً في تكاليف المعيشة وتراجعاً في القدرة الشرائية، مما جعل العديد من الأسر تقف عاجزة أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما ترك أبنائها خارج الفصول الدراسية، أو تحمل أعباء مالية تفوق طاقتها.
ويحذر متابعون للشأن التربوي من أن يؤدي قرار إلزامية الزي المدرسي إلى موجة تسرب مدرسي غير مسبوقة في الحوض الشرقي، قد تكون الأكبر منذ قيام الدولة الموريتانية، خصوصاً في الأوساط الريفية والمناطق الفقيرة التي يعتمد فيها الأهالي على موارد محدودة لتغطية احتياجاتهم اليومية.
ورغم أن الهدف المعلن من القرار هو ترسيخ الانضباط وتوحيد مظهر التلاميذ، إلا أن الواقع الميداني يعكس مفارقة مؤلمة: مدارس تفتقر إلى المقاعد والطاولات، ومعلمين يشتكون ضعف الرواتب وغياب التحفيز، وقطاع يئن تحت وطأة الإهمال وسوء التخطيط.
فكيف يمكن لوزارة لم تستطع بعدُ توفير أبسط مستلزمات العملية التعليمية أن تفرض على الأسر التزامات مالية جديدة؟
المنتقدون يرون أن القرارات العشوائية للجهات الوصية عمّقت أزمة التعليم بدل أن تخفف منها، إذ تركز على المظاهر بدل معالجة جوهر الخلل: ضعف البنية التحتية، غياب التأطير، وانعدام العدالة في توزيع الموارد. وفي المقابل، يستمر جشع القائمين على التعليم الخاص في إنهاك الأسر برسوم باهظة دون أن يقابله تحسّن نوعي في الخدمات التعليمية.
وبين صرامة الوزارة واستغلال المدارس الخاصة، يجد أبناء الحوض الشرقي أنفسهم ضحية معادلة قاسية، تهدد بتحويل التسرب المدرسي من ظاهرة سلوكية فردية إلى مشكلة بيئية عامة، تنذر بجيـل جديد من الأمّيين في منطقة كانت دائماً رمزاً للعلم والمعرفة.
ويبقى السؤال المطروح بإلحاح:
هل تتدخل السلطات العليا في البلد قبل فوات الأوان، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومنع تحول الزي المدرسي من شعار تربوي نبيل إلى شرارة تشعل أزمة تعليمية واجتماعية جديدة؟