زيارة الرئيس إلى الحوض الشرقي: استعراض جديد في مسرح الوعود القديمة

ثلاثاء, 10/28/2025 - 17:41

في سباقٍ سياسي محموم، يتسابق الساسة من كل حدبٍ وصوب لدفع رئيس الجمهورية إلى زيارة الحوض الشرقي، وكأنها معركة رمزية لا تحتمل التأجيل أو الإلغاء، رغم ما يحيط بها من تساؤلات عن أهدافها وملابسات توقيتها.

لكن خلف هذا الحماس المفتعل، يختبئ واقع مرير يعيشه سكان الولاية، واقعٌ تتجاوز أزماته حدود الطرح السياسي لتلامس جوهر البقاء الإنساني ذاته.

ستّ سنوات من الحكم كانت كفيلة بأن تُغيّر وجه البلاد وتترك أثرًا في وجدان الناس، غير أن الرئيس سيعود من جديد إلى الحوض الشرقي كما جاءه أول مرة: محاطًا بالشعارات، خالي الوفاض من أي إنجاز تنموي يُذكر.

زيارة جديدة في توقيت رمزي سيتزامن مع شهر الاستقلال الوطني، لكنها ستُذكّر سكان الولاية بأن استقلالهم لم يتجاوز حدود النشيد والعلم، فيما ظلت حياتهم اليومية رهينة العطش والجفاف والبطالة وتجاهل الدولة المزمن.

فالجزء من الحوظ المعروف بالحوض الشرقي، بسهوله ومراعيه، ظلّ لعقودٍ أشبه بمنفى تنموي خارج الخريطة الرسمية للبلاد.

لطالما ظلت حدود الحوظ مع مالي شريان حياته الوحيد؛ منها تأتي المؤن، وعبرها ينتجع المنمون بحثًا عن الكلأ والعشب في أراضٍ أجنبية باتت لعقود أكثر كرمًا من الدولة التي ينتمون إليها.

اليوم يعيش الحوظ تدهورا في الحالتين الأمنية والمعيشية، وتغلق الحدود المالية بقرار رسمي، بعد أن تعثرت الدبلوماسية الحديثة، التي تجاوزت الاتفاقيات التقليدية التي ابرمت قبل إعلان الدولة، لتجد ولاية الحوض الشرقي نفسها أمام ما يشبه النزوح المتزايد تحت ظل الحصار.

كل ذلك يجري في ظل غيابٍ مخجل لأي سياسة رسمية تحفظ كرامة الناس أو تستجيب لحاجاتهم الأساسية.

حين أعلن الرئيس في بداية مأموريته الأولى عن “معرض الثروة الحيوانية في تمبدغة”، صدّق الناس أن باب التنمية قد فُتح أخيرًا.

مليارات وُعدت بها الولاية، وخططٌ طُبعت على الورق، ومشاريع قيل إنها ستغيّر وجه المنطقة.

لكن سرعان ما تبخّر كل شيء تحت شمس الفساد والبيروقراطية، لتبقى الولاية في مكانها الأبدي: على هامش الدولة، بلا مشاريع، وبلا محاسبة.

فما جدوى زيارة تأتي بعد كل هذا الخذلان؟

هل يُعقل أن يتحوّل العجز إلى مناسبة احتفالية؟

أليس الأجدر بالرئيس أن يواجه أسباب الفشل قبل أن يزور مسرحه؟

الولاية اليوم ترزح تحت أزماتٍ مركّبة: العطش ينهش القرى، والبطالة تدفع الشباب إلى الهجرة، والمستشفيات لا تختلف كثيرًا عن مراكز إسعاف بدائية.

أما المدارس فصارت ممرًا إلى التسرب لا إلى المستقبل، وسط بنية تعليمية متآكلة وغياب أي رؤية جادة للإصلاح.

الطرق متهالكة، والمشاريع الكبرى سراب، والوعود القديمة تحوّلت إلى مادةٍ للتندر في المجالس الشعبية.

الزيارة الرئاسية المرتقبة، في جوهرها، ليست سوى عرضٍ جديد من مسرح العلاقات العامة: مواكب رسمية، خطابات متلفزة، صور دعائية، وواقع لا يتغيّر.

فالهدف يبدو واضحًا: تلميع السلطة لا خدمة المواطن.

وبينما ستسير الكاميرات خلف الرئيس كالعادة، سيمضي سكان الحوض الشرقي في طريقٍ آخر من الصمت والخيبة واليأس.

حتى الحديث المرتقب عن “الرقابة والمحاسبة” لن يجد صداه هنا هذه المرة، إذ تبدو هذه العناوين في غير مكانها.

فولاية التي أنهكها الفقر والجفاف لعقود لا تحتاج إلى خطبٍ عن الشفافية بقدر ما تحتاج إلى ماءٍ صالحٍ للشرب، ومدرسةٍ مؤهلة، ومستشفى مجهّز.

فالخطابات مكانها نواكشوط، أما هنا فالميدان يطالب بفعلٍ لا قول.

يزداد المشهد قتامةً حين نعلم أن الحوض الشرقي بات اليوم ملاذًا لمئات آلاف النازحين من الجارة مالي، يتقاسمون مع أهله شحّ الموارد وضيق الحال، في ظل غياب تام لأي تدخل إنساني أو سياسي مسؤول من الدولة.

وهكذا ستتحوّل الزيارة إلى مرآةٍ لجوهر الأزمة الوطنية: دولة تعيش على الوعود، وسلطة تُدير البلاد بعقلية العلاقات العامة، وشعب يزداد إحباطًا يومًا بعد يوم.

إنها زيارة بلا إنجاز، بلا معنى، وبلا ذرة من الأمل في ترميم الثقة المهدورة بين الدولة وأحد أكثر أقاليمها تهميشًا.

زيارة لا تكرّس إلا المسافة المتزايدة بين السلطة والمواطن، وبين الخطاب الرسمي والواقع المعاش.

مولاي الحسن مولاي الحسن