
في مشهد يتكرر مع كل زيارة رئاسية، تتحول الإدارات العامة إلى هياكل خاوية، يتوقف فيها العمل وكأن الزمن قد تجمد، بينما يهرع المسؤولون والوجهاء والموظفون الكبار نحو الحوض الشرقي في سباق محموم لإظهار الولاء والتقرب من السلطة.
زيارة الرئيس هذه المرة لم تكن حدثاً عادياً بقدر ما كانت موسماً للرياء السياسي والانتهازية المفضوحة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تصدرت صور “المستقبلين” و“المنسقين” و“المعبئين” واجهات الصفحات، حتى خُيِّل للمتابع أن الولاية غدت فجأة جنة التنمية والنزاهة.
لكن الحقيقة المرة أن أغلب من تصدروا المشهد "ضيوف"، وهم ذات الوجوه المألوفة بالفساد والفشل والتزلف، ممن أفلسوا أخلاقياً وشعبياً، ووجدوا في المناسبة فرصة ذهبية لغسل وجوههم أمام الكاميرات وعدسات الهواتف.
لم تعد التحضيرات لمثل هذه الزيارات تحمل طابعها الرمزي أو التنموي كما كان يفترض، بل تحولت إلى مهرجان للأنانية والتنافس في الكذب والتملق.
لم يعد الهدف استقبال الرئيس بقدر ما أصبح استقبال الفرص والمصالح، والبحث عن موقع جديد في خريطة الولاء التي تُرسم على مقاس النظام لا على مقاس الوطن.
والأدهى من ذلك، أن الوجوه الأكثر فساداً ستأتي في الصفوف الأمامية، تتظاهر بالحماس وادعاء الغيرة على مصالح الولاية التي لم يعودوا من سكانها، بينما هي في الواقع من أحبطت مشاريعها وعرقلت نهضتها لسنوات.
صورة “الحوض الشرقي” التي يحاول هؤلاء تزيينها أمام الرئيس مزيفة بكل المقاييس، إذ تخفي خلفها واقعا مأزوما من التهميش وسوء الخدمات وغياب التنمية الحقيقية.
لقد أصبح ما يسمى “أبناء الولاية” من أصحاب المناصب السامية عقبة أمام تنميتها لا رافعة لها.
فهم يحملون عقلية الفساد كإرث مقدس، ويجعلون ولاءهم للنظام ثابتاً كولائهم لمصالحهم الخاصة، بينما ولاؤهم للولاية يتبخر عند أول صفقة أو منصب.
ولذا فإن الأنظمة المتعاقبة وجدت في هذا السلوك مبرراً لتكريس الفساد ذاته، فتختار من أبناء الحوض الشرقي من يضمن استمرار الولاء لا من يضمن خدمة المواطن.
للأسف!.. إن المشهد العام لزيارة الرئيس لم يعد احتفاءً بإنجاز أو مشروع، بل أصبح مرآة لواقع مأزوم، حيث تتوقف مصالح المواطنين، وتتحول الإدارات إلى مكاتب مغلقة، والمسؤولون إلى جوقة مهللة تبحث عن صورة أو فرصة اقتراب من الموكب الرئاسي.
إنه موسم النفاق السياسي بامتياز، حيث تختلط الشعارات بالتملق، والولاء بالصفقات، ووجه الولاية الحقيقي يُطمر تحت ركام الصور المزيفة والابتسامات المصطنعة.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه:
هل يدرك الرئيس أن من يتسابقون اليوم للترحيب به، هم ذاتهم من يعرقلون تنمية الحوض الشرقي منذ عقود؟
أم أن اللعبة ستستمر... حتى الزيارة القادمة؟
مولاي الحسن مولاي عبد القادر



















