حين تتحول كلمة "الإنجازات" إلى شماعة للتزييف والتضليل

خميس, 11/06/2025 - 11:00

لم تعد كلمة الإنجازات في الخطاب الرسمي الموريتاني سوى لافتة مكرورة تُستخدم لتزيين الفشل وتغليف العجز، حيث تردَّدت الكلمة حتى فقدت معناها، وصارت أقرب إلى شعار أجوف يردده الأطر والمنتخبون والنُّواب وكأنهم في سباق للتملق، لا لخدمة وطنهم.

غير أن الحقيقة المرة هي أن ما يُقدَّم على أنه منجزات لا وجود له في الواقع، وأن ما تحقق فعلاً لا يرقى إلى مستوى بلد غني بالموارد، واسع الإمكانات، وشعبه غارق في البؤس والإهمال.

التنمية ليست مكرمة من نظام حاكم لشعبه، وليست منَّة تُمنح في المناسبات السياسية أو ضمن جولات دعائية؛ إنها واجب أصيل على كل من تولى السلطة، أياً كانت طريقة وصوله إليها.

لكن في موريتانيا تحولت التنمية إلى شعار انتخابي دائم، وإلى مادة للتسويق الإعلامي، دون أثر حقيقي يلمسه المواطن في الأمن والتعليم، أو الصحة، أو البنية التحتية، أو فرص العمل.

المفارقة الصارخة أن من يرفعون عقيرتهم بالحديث عن “الإنجازات” في ولايات مثل الحوض الشرقي، يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم يمارسون التضليل وأنهم يبيعون الوهم.

فهل إنجاز أن يعيش ثلثي سكان ولاية تحت خط الفقر، وتنعدم أبسط مستلزمات الحياة الكريمة، ويغيب مبدأ المساواة وتبقى الطرق متهالكة؟ أو أن تغرق المدن في العطش؟ ويعيش الشباب البطالة ويهاجروا طلباً للقمة العيش؟ أم أن الإنجاز هو هذا التجميل الإعلامي الذي يحاول تزيين الخراب؟

لقد أصبحت ثقافة النفاق السياسي سمة عامة، وتحوَّل الخطاب إلى مسرح للتلون والاسترزاق.

فكل من أراد قرباً من السلطة، أو طمعاً في منصب، صار يرفع شعارات “الإنجازات”، حتى وإن كان يدرك تماماً أنه يبيع كلاماً بلا مضمون، ويتحدث عن عوداً بلا وفاء.

والأدهى من ذلك أن الدولة لم يعد لها أي عذر للتقاعس في التنمية، مثلما لم يعد لها أي عذر في استمرار التسول باسم الشعب، وهي تمتلك ثروات هائلة تكفي لجعلها في مصاف الدول الغنية.

فموريتانيا تمتلك ثروة حيوانية وسمكية لا تُقدّر بثمن، وثالث أكبر احتياطي من الغاز في إفريقيا يناهز 110 تريليونات قدم مكعب بما قيمته 325 مليار دولار، واحتياطي نفطي يقدر بـ 400 مليون برميل تعادل 30 مليار دولار.

وهي ثاني أكبر منتج إفريقي للحديد، وتُقدر ثروتها بـ 428 مليار دولار، وتملك 25 مليون أونصة ذهب بقيمة 72 مليار دولار، واحتياطيات من النحاس والفوسفات تتجاوز 120 مليار دولار، فضلاً عن اليورانيوم والبلاتين والجبس وغيرهما.

فأي إنجاز يُقاس في ظل هذه الثروات التي تُستنزف دون أن تنعكس على حياة المواطن؟

وأي تبرير يُقبل بعد اليوم من سلطة تتحدث عن الإنجاز في بلد يملك كل أسباب الازدهار ويعيش كل مظاهر الفقر؟

إن أخطر ما أنتجه هذا الخطاب المضلل هو قتل الإحساس بالمسؤولية، وتحويل الفشل إلى إنجاز، والعجز إلى بطولة.

فحين يُكافأ المزوّر ويُقصى الصادق، وحين يُصفّق للمنافق وتُحارب الكلمة الحرة، لا يمكن للوطن أن يتقدم، ولا يمكن للشعب أن يثق في وعودٍ تُصاغ فقط لتلميع الصورة.

لقد آن الأوان لأن يُكفّ عن ترديد هذه الأسطوانة المشروخة.

فالبلد لا يحتاج إلى خطبٍ ولا إلى شعارات، بل إلى عملٍ صادق، وإرادةٍ سياسية جادة، وإدارةٍ نزيهة تُحسن استغلال هذه الثروات الهائلة لصالح المواطن لا لحساب فئة قليلة.

فالوطن لا يُبنى بالنفاق، ولا يُنهض بالأكاذيب، بل بالصدق والعدل والمحاسبة والشفافية.

مولاي الحسن مولاي عبد القادر