كرنفال السلطة.. حين يتحول المواطن إلى كومبارس

سبت, 11/08/2025 - 21:24

منذ اليوم الأول للزيارة، بدت مظاهر الحشد أقرب إلى سباق سياسي بين الوجهاء والمسؤولين والوزراء من أبناء المنطقة، حيث جرى تسخير الموارد العامة والخاصة لتأمين استقبال «أسطوري» للرئيس. خيام نصبت، وولائم أقيمت، ويافطات نُصبت على امتداد الطرق، في مشهد أقرب إلى الاستعراض منه إلى التعبير عن وعي مواطنٍ يدرك معنى الدولة ومسؤولية السلطة.

لكن خلف هذا البريق المزيّف، كان المشهد الحقيقي أكثر قسوة.
فالفئات الأكثر هشاشة، التي يفترض أن تكون محور اهتمام أي زيارة رسمية، سُخّرت لتأدية دور الكومبارس في مسرحية جماهيرية، حيث نُقلت أعداد كبيرة من القرى والبوادي في ظروف قاسية وتحت شمس حارقة، ليقفوا ساعات في انتظار موكب رئاسي عابر، لا لشيء سوى لتكملة الصورة الإعلامية وتغذية وهم «الالتفاف الشعبي».

المؤلم أن كل هذا التبذير يجري في ولاية تُعد من الأفقر في البلاد، وتفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم: مياه شرب، طرق صالحة، وبنية تحتية تليق بكرامة الإنسان.
ومع ذلك، تُهدر الأموال في الزينة والمواكب، وكأن التنمية تُقاس بطول الصفوف وعدد السيارات في الموكب لا بحجم المشاريع المنجزة على الأرض.

ولعل الأكثر إثارة للأسف هو ما أظهره بعض المسؤولين من أبناء الولاية من حماسة مفرطة في تنظيم هذه المظاهر، كأنهم في سباق انتخابي مبكر، هدفه تلميع الصور وإثبات الولاء لا خدمة المواطن ولا دعم التنمية.
وهي سلوكيات تُفرغ الحدث من مضمونه، وتحوّل الزيارات الرسمية إلى مشاهد استعراضية خالية من القيمة.

إن الرسائل التي تُرسلها مثل هذه المشاهد خطيرة على المدى البعيد، فهي تُكرّس منطق الولاء الشخصي على حساب الكفاءة، وتُعيد المجتمع إلى مربّع العصبية القبلية والمجاملات المفرطة، كما أنها تسيء إلى صورة الدولة ورئيسها، الذي يفترض أن يمثل رمزًا للوحدة والصرامة في إدارة المال العام.

وأمام هذه الممارسات،  إن كانت السلطات العليا صادقة في محاربة الفساد وترسيخ قيم العمل والمساءلة، فإن أول اختبار عملي لذلك هو وضع حدٍّ لهذه الاستقبالات الكرنفالية التي تُهدر فيها الموارد وتُهان فيها كرامة المواطن.
فالمطلوب ليس الحشود واليافطات، بل قرارات جريئة تُحدث فرقًا في حياة الناس.

ومهما يكن من امر، فإن زيارة الحوض الشرقي يجب ان تكون جرس إنذار لا مناسبة للتباهي.
فالتنمية لا تُقاس بعدد الأعلام المرفوعة ولا بحجم الولائم المقامة، بل بمدى تحسن الخدمات وتراجع الفقر وارتفاع منسوب الكرامة الإنسانية.
وما لم تتغير هذه الثقافة السياسية المريضة، سيظل البلد يدور في حلقة مفرغة من الزيف والاستعراض.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر