
في ظلّ تصاعد الدعوات لاعتماد معايير أكثر صرامة في إدارة الدعم العمومي للمؤسسات الإعلامية الخاصة، تبرز اللجنة الحالية المكلّفة بتسيير وتوزيع صندوق الدعم العمومي بوصفها نموذجًا يحتذى به في النزاهة والوضوح.
فقد نجحت هذه اللجنة، التي ترأسها سيدة مشهود لها بالكفاءة والخبرة، في إعادة الثقة إلى المؤسسات الإعلامية عبر مسار عمل شفاف ودقيق، عكس بصورة واضحة توجهات رئيس الجمهورية نحو إرساء حوكمة عادلة وفعّالة لقطاع الإعلام.
تحوّل نوعي في مسار الصندوق
لقد شكّل أداء اللجنة نقطة تحول فارقة في إدارة الصندوق، إذ لم يكن عملها مجرد تنفيذ لإجراءات إدارية تقليدية، بل مثّل إعلانًا واضحًا بأن زمن الغموض والضبابية قد ولّى، وأن العدالة في التقييم والترقيم حق ثابت لكل مؤسسة إعلامية، سواء كانت كبرى أو ناشئة.
وتجلّى هذا التحول عبر اعتماد معايير واضحة، منشورة، وموحّدة، وضعت كل المؤسسات على قدم المساواة ضمن إطار تكافؤ الفرص.
رقمنة… وشفافية غير مسبوقة
اعتمدت اللجنة رقمنة شاملة للإجراءات، ما أتاح للمؤسسات الإعلامية الاطلاع السلس على ملفاتها وبياناتها وحقوقها، بعيدًا عن التعقيد البيروقراطي أو التأخّر المتعمد الذي كان يفتح المجال للتأويل والتدخلات غير المهنية.
وقد منحت هذه الرقمنة المؤسسات شعورًا متزايدًا بالاطمئنان والثقة في مؤسسات الدولة، من خلال إدارة تعتمد الحياد، وتبتعد عن كل أشكال التأثير الخارجي أو العلاقات الضيقة.
رفض للمحسوبية… وترحيب بالإنصاف
ورغم الترحيب الواسع الذي حظيت به هذه الشفافية داخل الوسط الإعلامي، فقد أثارت انزعاج بعض الأطراف التي اعتادت لسنوات الاستفادة من طرق غير منسجمة مع قيم العدالة ولا مع أبسط المبادئ الأخلاقية المرتبطة بتوزيع المال العمومي.
فالنتائج المبنية على تقييمات موضوعية شكّلت صدمة لمن اعتادوا الاعتماد على العلاقات الخاصة لضمان تمويل غير مستحق.
لكن هذه الصدمة نفسها كانت دليلًا على نجاح اللجنة، إذ كشفت حجم الاختلالات التي ظلت تعيق تطور الصندوق، وأكدت الحاجة إلى منظومة دعم حديثة، عادلة، ورقمية بالكامل.
نموذج يحتذى به في الإدارة العمومية
إن نجاح اللجنة في فرض معايير النزاهة والتحكّم في مسار التقييم عبر أدوات رقمية شفافة جعل منها مثالًا يُحتذى به في الإدارة العمومية.
فقد قدّمت رسالة واضحة مفادها أن المؤسسات الإعلامية تستحق دعمًا يقوم على أسس مؤسساتية لا على اعتبارات ظرفية، وأن زمن الفوضى قد انتهى.
كما مثّلت المنصة الرقمية الجديدة قفزة نوعية أنهت حقبة التخمين والضبابية، وأغلقت الباب أمام الاجتهادات الشخصية أو محاولات التلاعب.
دعوة إلى الاستمرارية… حفاظًا على المكتسبات
وانطلاقًا من كل هذه المكتسبات، نعلن في موقع “صوت” مطالبة الوزارة الوصية بتجديد الثقة في نفس اللجنة لتسيير وتوزيع صندوق الدعم في دورته الحالية، حفاظًا على الإرث الإيجابي الذي حققته، وضمانًا لاستمرارية نهج العدالة والشفافية الذي بدأ يعطي ثماره.
فإعادة تكليف هذه اللجنة لا يُعدّ مجرد قرار إداري عادي، بل خطوة أساسية لضمان بيئة إعلامية صحية، مستقلة، وتنافسية، تُمنح فيها الفرص على أساس الكفاءة لا الولاءات.
ومهما يكن من أمر، فإنه لا يسعنا إلا أن نثمّن الجهود الكبيرة التي بُذلت، وأن نهنّئ المؤسسات الإعلامية على المنصة الرقمية التي فتحت الباب أمام عهد جديد من الوضوح والمسؤولية.
ويبقى الأمل معقودًا على مستقبل تكون فيه النزاهة معيارًا ثابتًا، لا استثناءً عابرًا، في منظومة الدعم العمومي للإعلام الخاص.
مولاي الحسن مولاي عبد القادر



















